البث الفضائي العربي

قراءة في المعطيات الإحصائية

يسعى اتحاد اذاعات الدول العربية من خلال نشر التقرير السنوي للبث الفضائي العربي الى توفير قاعدة بيانات ذات مصداقية وتمثل مرجعا لتوصيف واقع البث الفضائي العربي ومكوّناته وخصوصياته. كما يمكن أن يكون التقرير منطلقا لبحوث ودراسات .

ويتناول التقرير الحالي واقع البث الفضائي العربي لسنة 2023 سعيا الى التعرف على الثوابت والمتغيرات التي تميّز المشهد الفضائي العربي بثا واستقبالا.

ولعل أبرز مكوّنات هذا التقرير هو القراءة المتأنّية في الإحصاءات المتوفرة وتحليلها كمّيا وكيفيّا ممّا يمكّن من رسم صورة صحيحة للمشهد الإعلامي العربي وتموقعه على الساحة العالمية. ومنذ البداية وجب توضيح أنّنا بصدد البحث في وسائل إعلامية أصبحت تطلق عليها تسمية "التقليدية" ولم تعد هي الوحيدة المشكّلة للفضاء أو المشهد الاعلامي. فقد طرحت وسائل الاعلام الجديد تحديات جمّة على الاعلام التقليدي تفرض عليه الاندماج والتكامل اضطرارا لا اختيارا.

وقد تغيّر نمط استهلاك المادة الاعلاميّة التي يطلبها المتلقي ويريد استهلاكها متى أراد وفي أي وقت يرغب.

إن المنهجية التي سيتم اعتمادها في هذه القراءة هي المقاربة الاحصائية التي تجعل الكمّ في خدمة الكيف باستنطاق الأرقام والنسب المئوية وجعلها ذات دلالة.

وقبل الشروع في التحليل، وجب تقديم مجموعة من المفاتيح تيسيرا للفهم والمتابعة:

  • ليست كل قناة تبث باللغة العربية هي قناة عربية الجنسية بالضرورة لكنّها موجّهة أساسا الى جمهور عربي ناطق باللغة العربية. لذلك ندرج في هذه القراءة قنوات أجنبية تخاطب المشاهد العربي وتدخل ضمن سياق: إعلام الآخر. هذا الآخر الذي يريد أن ينقل الى المتلقي العربي رؤيته للعالم وتصدير قيمه وايديولوجياته إما عبر الترفيه أو الإخبار أو غيرهما.

وقد لا يتفق معنا من يعتبرون أن القيم الكونيّة هي التي يجب أن تسود وأن المبادئ الانسانية واحدة وموحّدة. وقد يكون الأمر كذلك ولكن لكل "آخر" وجهة نظر وتأويل لهذه القيم والمبادئ ويريد أن يحمل المتلقي على تبنّيها.

  • هناك قنوات تبث أصلا بلغات أجنبية (انجليزية بالأساس) ويتم دبلجة محتواها أو ترجمته لاستهداف المتلقي العربي.
  • هناك مجموعات بث عربية على غرار شبكة OSN تبث محتويات باللغة الانجليزية تركّز في محتواها على بث الأعمال الدرامية من مسلسلات وأفلام سينمائية.
  • هناك بعض القنوات العربيّة، وإن كان عددها محتشما، تسعى الى مخاطبة "الآخر" بلغات غير العربيّة.

 

يتألف المشهد التلفزيوني الفضائي العربي من ثلاثة مكونات هي :

  • القنوات التلفزيونية العمومية
  • القنوات التلفزيونية الخاصة
  • القنوات العمومية الأجنبية الموجهة الى المشاهد العربي.

ويبرز الجدول والرسم البياني الآتيان عدد هذه الأصناف الثلاث والنسب المائوية التي تمثّلها على خارطة المشهد التلفزيوني العربي :

جدول رقم 1 : القنوات التلفزيونية الموجّهة للمشاهد العربي

القنوات العدد النسبة المائوية
قنوات القطاع الخاص 889 81%
قنوات القطاع العمومي 190 17%
القنوات الأجنبية العمومية 18 2%
المجموع 1097 100

 

رسم بياني رقم 1 : توزيع القنوات التلفزيونية الموجّهة الى المشاهد العربي

وما فتىء العدد الجملي للقنوات التلفزيونية الفضائية يتغيّر بميلاد قنوات جديدة وانسحاب قنوات أخرى من المشهد التلفزيوني. ويبيّن الجدول الآتي مقارنة بين أرقام القنوات التلفزيونية العربية انطلاقا من سنة 2009 :

جدول رقم 2 : مقارنة أعداد القنوات التلفزيونية العربية

السنة عدد الهيئات القنوات العمومية قنوات القطاع الخاص مجموع القنوات
2009 398 97 599 696
2010 470 124 609 733
2011 608 109 960 1069
2012-2013 776 168 1152 1320
2014 758 165 1129 1294
2015 819 133 1119 1252
2016 649 151 963 1122
2019-2020 647 185 907 1092
2023-2024 578 190 889 1079

 

نلاحظ أن القطاع العمومي التلفزيوني يتّسم بأكثر ثبات على مستوى أعداد القنوات التي ازداد عددها بحوالي الضعف بين سنتي 2009 والسنة الحالية. ولعل من أبرز المتدخلين الجدد في الفضاء التلفزيوني العربي القنوات التعليمية التي يبلغ عددها حاليا 46 قناة اضافة الى تكاثر عدد القنوات الرياضية التي تبلغ  34 قناة.

واقع القنوات التلفزيونية العمومية العربية :

يبلغ عدد القنوات التلفزيونية العمومية العربية 190 قناة تبثها   46 هيئة عربية. ولسائل أن يسال عن مبرّر ارتفاع عدد الهيئات التلفزيونية العربية على اعتبار أن عدد الأقطار العربية هو اثنان وعشرون. وتفسير ذلك أن هناك هياكل حكومية غير مؤسسات الإذاعة والتلفزيون تشرف على بث قنوات في تخصّصين أساسيين هما : القنوات التعليمية والقنوات الرياضية. ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر: وزارة التربية والتعليم السودانية ومركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح ووزارة الرياضة السعودية....

ونتبيّن من الجدول الآتي كيف تتوزع القنوات العموميّة العربيّة على البلدان العربية الاثنين والعشرين:

جدول رقم 3 : توزيع القنوات العمومية حسب البلدان العربية

البلد عدد القنوات العمومية النسبة المئوية من عدد القنوات العمومية الجملي
المملكة العربية السعودية 36 18.94%
مصر 28 14.73%
الامارات العربية المتحدة 24 12.63%
قطر 11 5.78%
المغرب 11 5.78%
العراق 10 5.26%
الكويت 9 4.73%
الجزائر 9 4.73%
فلسطين 7 3.68%
موريتانيا 6 3.15%
السودان 6 3.15%
سوريا 5 2.63%
البحرين 5 2.63%
ليبيا 5 2.63%
سلطنة عمان 4 2.10%
اليمن 4 2.10%
تونس 3 1.57%
الأردن 3 1.57%
الصومال 2 1.05%
لبنان 1 0.52%
جيبوني 1 0.52%
جزر القمر 1 0.52%

 

نتبيّن من هذه المعطيات أن خمسة بلدان عربية وهي : السعودية ومصر والإمارات وقطر والمغرب تبث أكثر من نصف العدد الجملي للقنوات العمومية العربية (57.86% ). في المقابل تبث السبع عشرة دولة المتبقية حوالي 42% من مجموع القنوات العمومية العربية. ويمكن تفسير ذلك بأن السعودية مثلا تبث 25 قناة تعليمية وبأن مصر تبث عددا من القنوات الإقليمية عبر الأقمار الصناعية (الصعيد، طيبة، الاسكندرية...) الى جانب قنواتها التعليمية. أما بالنسبة الى قطر فإن مردّ ارتفاع عدد القنوات العمومية هو قنوات مجموعة الكأس الرياضية.

أما في ما يتعلق بالمغرب فيبث قنوات متخصصة وقنوات باللهجات المحلية.

رسم بياني رقم 2 : الخمس دول الأكثر عددا من القنوات العمومية

وإننا إذا كنا بصدد البحث في البث الفضائي العربي، فإن ذلك لا يعني أن كل القنوات التلفزيونية التي تستهدف المشاهد العربي أو يوجهها المنتج العربي الى "الآخر" هي ناطقة باللغة العربيّة. فإننا نجد الغالبية العظمى من القنوات تبث باللغة العربية (ليست الفصحى بالضرورة بل المقصود هو المنطوق العربي) الى جانب البث بلغات أجنبية صرفة أو بدبلجتها وترجمتها إلى اللغة العربية.

ونتعرف من خلال الجدول الموالي على لغات بث برامج القنوات العربية العمومية:

جدول رقم 4: القنوات العمومية ولغات البث

أحنبية فقط

 

لغة ولغة أخرى     العربية العربية فقط اللغة
النسبة المائوية عدد القنوات النسبة المائوية عدد القنوات النسبة المائوية

 

عدد القنوات
4.74% 9 5.26% 10 90% 171

 

 

تبرز لنا معطيات الجدول ان النسبة العظمى من القنوات التلفزيونية العمومية العربية تعتمد اللغة العربية. وقد اعتمدت ثلاث عشرة قناة البث بلغة عربية ولغة أخرى في الآن نفسه. وتوزعت اللغات الأخرى كما يلي :

-حسانية : 4 قنوات

الانجليزية : قناتان

الفرنسية : قناة واحدة

الكردية : قناة واحدة

الأمازيغية : قناة واحدة

الانجليزية والفرنسية معا : قناة واحدة.

ويمكن تفسير ذلك بمحاولات بعض القنوات (ومنها التلفزيون الصومالي والتلفزيون الموريتاني) مخاطبة جمهور متلقّين ممّن يفهمون العربية في جزء منهم وآخرين غير متمكّنين من اللغة العربية ولا تعدّ العربية لغتهم الأم.

وفي المقابل نجد أن تسع قنوات تلفزيونية عربية تستعمل في بثها اللغة الأجنبية فقط  وهي تتوزع كما يلي :

الصومالية : 3 قنوات

الفرنسية : قناتان

الانجليزية : قناتان

الأمازيغية : قناة واحدة

انجليزية/أوردو/ فارسية : قناة واحدة

رسم بياني رقم 3: لغات بث القنوات العمومية

إن التلفزيون العمومي العربي وجد نفسه اليوم أمام خيارات محدودة لضمان البقاء المؤثّر في المشهد التلفزيوني المحلي والعالمي. ومن أبرز هذه الخيارات أن يخضع التلفزيون العمومي لمنطق السوق وينافس القنوات التجارية ويفقد بذلك هويته كإعلام عمومي أو أن يصر على أداء وظيفة الخدمة العمومية وعليه مضاعفة الجهد لاستقطاب مشاهدين تشدّهم قنوات أخرى ترضي الرغبات الفردية وتخاطب العاطفة والغرائز ولا تهتم بالهوية المرجعية والقيم وما إلى ذلك. وقد أدى انتشار المنطق التجاري وهذه النزعة الإنتاجية في برامج تلفزيون القطاع الخاص بدرجة أساسية التي تسعى إلى إرضاء المعلنين بارتفاع نسب المشاهدة بصرف النظر عن جودة المعروض، إلى بروز مفهوم جديد هو "تلفزيون القمامة Trash TV". وهي نوعية برامجية تركز على التسلية المجانية والتسطيح الذهني والإثارة بمفهومها السلبي. وهي برامج تجلب العائدات المالية الوفيرة على القنوات التلفزيونية.

ويعيش تلفزيون العموم اليوم "في سياق تنافسي يحدّ من اختياراته الإستراتيجية، فإمّا التكيّف مع الوضع الجديد، أي الدخول في لعبة المنافسة من خلال تبنّي منطق تجاري وإما الإصرار على الإحتفاظ بهويته بالتركيز على أداء مهمّة الخدمة العمومية وذلك من خلال توجيه اهتمامه الى عرض البرامج القيّمة والتي يعتبرها التلفزيون التجاري غير مربحة، وإما أن يلعب على حبل الورقتين معا، بمعنى أن ينتقل التلفزيوني العمومي من اللعبة التجارية إلى الخدمة العمومية أو العكس وهكذا دواليك" (1).

وبالإضافة الى هذا التنافس الدّاخلي، بمعنى داخل الفضاء التلفزيوني عموما (عمومي وخاص) هناك تنافس أشرس وأكبر حجما بين هذا الفضاء التقليدي والمتدخل الجديد عبر الشبكات الالكترونية التي وضعت الإعلام التقليدي أمام تحديات عديدة وفرضت قوانين جديدة "للّعبة الإعلاميّة" إن صحّت العبارة.

وعلى الرغم مما حققته "الثورات العربية " في عدد من الدول العربية من توفير مناخ من الحرية، فإن الجدل مازال قائما حول توظيف وسائل الإعلام وإنجاح عملية التحوّل من وسائل حكومية إلى مرافق عمومية.

وينطبق هذا القول على وضع أجهزة الإعلام التقليدية في عدد من الدول العربية التي نعتبر أنها لم تتخلص نهائيا من صفة الحكوميّة ولم تنتقل كليا الى مرحلة العموميّة. ومازال التلفزيون "العمومي" فيها لم يتحول فعلا إلى مرفق عمومي بناء على ما نلاحظه من خلال المواكبة اليومية  مباشرة في قاعات التحرير أو عبر مشاهدة المخرج الإعلامي التلفزيوني ومن خلال سعي عديد الجهات الحاكمة لتوجيهه لخدمة أجندتها.

ويمكن تفسير حالة التخبط هذه بالغموض المفاهيمي الذي يكتنف تسميات "التلفزيون العمومي" و"الخدمة العامة أو العمومية" وبعدم تعوّد الإعلاميّين على العمل في محيط مماثل "غاب" فيه الحارس التقليدي للبوابة الإعلامية.

وإذا حاولنا التبسيط، فإننا نقول إن الخدمة العامة في الإعلام السمعي البصري هي تلك القائمة من أجل الجمهور والمموّلة في جزء كبير من ميزانيّتها من قبل الجمهور. وهذه الخدمة تنطلق من الجمهور وانتظاراته وتتوجه إليه. وهذا الجمهور يستهلك المنتوج الإعلامي ومنه العمومي، سعيا إلى إشباع حاجات معينة.

وإذا عدنا إلى نظرية الإشباع والرضا (1)، فإن ما يمكن أن يعاب على أجهزة الإعلام العربية وخصوصا منها السمعية البصرية، نقص ارتباطها بالمجتمع وبقضاياه الجوهريّة والحقيقيّة. وإذا لمس المتلقي تناولا حقيقيا لقضاياه ومشاغله، فإن ذلك يدعم لديه الشعور بالرضا عن المادة المقدمة الناتج عن تحقّق إشباع حاجة إعلامية معيّنة.

والمشاهد يأخذ من التلفزيون، في نهاية الأمر، ما يشبع فضوله ويرضيه. ولكن بعض الوسائل الإعلامية تعمد إلى خلق هذا الفضول لدى الجمهور وترضيه كما ترغب هي في إرضائه.

والإشباع هو إرضاء رغبة أو بلوغ هدف وخفض دافع ما. ويعني الإشباع في نظرية التحليل النفسي خفض التنبيه والتخلّص من التوتّر. وتحقق وسائل الإعلام نوعين من الإشباعات وهي :

  • إشباعات المحتوى، وتنتج عن التعرض لوسائل الإعلام.
  • إشباعات العملية وتنتج عن عملية الإتصال والإرتباط بالوسيلة الإعلامية ذاتها.

وقد أمكن لنا  الوقوف على سعي وسائل الإعلام التقليدية إلى إشباع الحاجات المعرفية والوجدانية والشخصية والإجتماعية في شكل جماعي الإستهداف. ولم يكن النجاح حليفا دائما لهذه الوسائل لتحقيق الإشباع.

وهنا فتح المجال أمام المواقع الإجتماعية و"صحافة المواطن" التي تعمل على تحقيق الإشباع الفردي أوّلا ثم الجماعي في مرحلة موالية. ويحدّد المتلقي في هذه الحالة ما يلبّي حاجاته ويستجيب لها ويذهب إلى أبعد من ذلك بالعمل على إشباع حاجات البث والتفاعل مع الآخر.

ولعل من أبرز التحدّيّات التي تواجهها وسائل الإعلام التقليديّة، لا سيما منها التلفزيون، هي تحقيق المعادلة الصعبة بين إشباع رغبات المتلقي في صيغتي المفرد والجمع وانتظاراته وبين ضغوطات حارس البوابة.

وسعيا إلى إشباع هذه الرغبات، يمكن القول إن هناك ست خصائص ينبغي للقائمين على الخدمة العامة في المجال السمعي البصري مراعاتها وهي: (1)

  • الشمولية : بمعنى توفير الخدمة العامة لكل فئات الجمهور دون استثناءات لا على أساس الدّين أو اللون أو اللغة أو غيرها.
  • التنوع : اقتراح برامج متنوعة ترضي جميع الأذواق وذات قيمة عالية تمكّن الجمهور من الوصول إلى معلومات حول الكثير من المسائل والقضايا المجتمعية.
  • الإستقلالية : اتخاذ القرارات البرامجيّة بناء على معايير مهنية وحق الجمهور في المعرفة والابتعاد عن الخضوع لأي شكل من أشكال الضغوط التي يمكن أن يمارسها أصحاب المصالح السياسية أو التجارية.
  • عدم التحيز : لا يحق للقائمين على الخدمة العامة استثمار وتوظيف التفويض المجتمعي الممنوح لهم للتسويق أو دعم وجهة نظر سياسية واستبعاد أخرى.
  • الحرص على الهوية الوطنية والثقافية : يعد الإلتزام بالخدمة العامة أداة للبناء والحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز الشعور بالإنتماء والمشاركة بإيجابية في حياة المجتمع.
  • التمويل العام : يعدّ نموذج تمويل الخدمة العامة، في معظم الدول، نموذجا مختلطا، يجمع بين مصدرين من مصادر الإيرادات الثلاثة التالية : رسوم التراخيص التي يسددها دافعو الضرائب والمخصّصات التي يكون مصدرها الدولة، والإيرادات التجارية من الإعلان وإيرادات حقوق البث والتبرّعات".

ولعل من أبرز خصوصيات البث الفضائي العربي اتسامه بالطابع القطري. فلا يمكن أن نتحدث عن رؤية عربية مشتركة في المجال التلفزيوني مما يفسّر اختلاف الرسائل الإعلامية من قطر الى آخر ومن قناة الى أخرى. ولعل من أهم أسباب غياب هذا الخطاب الموحّد، التجاذبات السياسية واختلاف المواقف مما يكرّس التنافر والعداء والمقاطعة.

ولا يعاني الانتاج التلفزيوني العربي من مشكل القطريّة فحسب بل إنه مازال يعاني من الأقلمة التلفزيونية بمعنى أن هناك ثلاثة أقاليم إنتاجيّة هي : المشرق والمغرب والخليج وكل منها يعمل في شبه قطيعة عن الآخر إضافة الى القطيعة داخل كل إقليم بفعل التنافس الشرس بين شركات الانتاج من جهة وبين المؤسّسات الحكومية أو العمومية ومؤسسات القطاع الخاص التي اكتسحت الساحة.

وتعاني القنوات التلفزيونية العمومية العربية من ضعف التمويلات مما لا يفي بالحاجة للابداع والإنتاج والتطوير فيتم اللجوء الى الاستيراد وهو ما يفقد القنوات هويّتها وشخصيتها. كما تعمد  القنوات التلفزيونية محدودة الموارد، الى تقليد المواد التي تقدمها القنوات الغربية مما يفقدها الخصوصية.

كل هذا يجعل من الصعب الحديث عن شخصية تلفزيونية عربية. ويتحتم لتحقيق تلك الغاية وضع استراتيجية واضحة للنهوض بالقطاع التلفزيوني العربي. وإن أية استراتيجية لا يمكن أن تكون ناجعة ما لم تأخذ بعين الاعتبار الجمهور المستهدف وانتظاراته. وهذا الجمهور متعدد وهو كما يلي:

  • جمهور محلي يتوزع على الأقطار العربية يبحث عن وجود ما يربطه بباقي المشاهدين العرب من عوامل مشتركة.
  • جمهور الجاليات العربية المقيمة خارج الوطن العربي والتي تتطلع الى نوعية معيّنة من الأغراض البرامجيّة.
  • جمهور أجنبي يحمل أفكارا معيّنة في نسبة مهمّة منها مغلوطة عن العرب والوطن العربي

وتظل الاستجابة لانتظارات مختلف هذه الفئات من الجمهور رهينة سبر للآراء ينجز على أسس علميّة وعلى عيّنات ممثّلة تمثيلا علميّا لمعرفة حقيقة الانتظارات ومن ثمة العمل على الاستجابة اليها.

إن المتأمّل جيّدا في الخارطة التلفزيونية العربية يلاحظ أن عدد القنوات الخاصة يفوق بكثير عدد القنوات العمومية على اعتبار أن الصناعة التلفزيونية أصبحت مجالا استثماريا مربحا.

ويبلغ عدد القنوات التلفزيونية العربية الخاصة 889 قناة تبثها 532 هيئة. وتمثل هذه الهيئات إما مجموعات إعلامية على غرار شبكة التلفزيون العربي ببريطانيا وشبكة الجزيرة الاعلامية من قطر وشبكة المجد ومجموعة سعودي 24 من السعودية...أو مجموعات تقف وراءها تيارات إيديولوجية أو مذهبية على غرار تلفزيون المنار اللبناني.

وان سيطرة رأس المال أو المذهب والإيديولوجيا يجعل الحديث عن إعلام حر وموضوعي في المطلق غير ذي معنى. وهذا يفنّد ما يذهب اليه البعض بالقول إن القطاع الخاص هو بالضرورة إعلام الحق والحقيقة. هو كذلك، ولكن وفق رؤية صاحب راس المال أو المرجع الديني أو السياسي.

وتركّز هذه القنوات على الجدال السياسي والبرامج الإجتماعية و"الترفيه". ولكن المتمعّن في محتويات هذه القنوات يتوقّف عند ضبابية الرؤية وعدم وضوح الأهداف الاستراتيجية التي ترمي الشبكات البرامجية، إن وجدت، إلى احترامها وتحقيقها.

ويظل التشابه والتماثل من حيث المضمون القاسم المشترك والسمة البارزة على مستوى برمجة عديد القنوات المتخصصة. وظل المشاهد العربي رهين رغبات المعلنين الذين يتحكمون ولو بطريقة غير مباشرة في نوعية البرامج المعروضة ومواعيد بثها.

وقد افضى تزايد عدد القنوات التلفزيونية وزيادة ساعات البث والتسابق نحو "البث على مدار السّاعة" إلى مضاعفة الطلب على استيراد مضامين ومواد أجنبية تتسم في معظمها بالسطحية لارتفاع تكاليف اقتناء البرامج ذات الجودة العالية والمضمون الهادف.

وإذا كان العرب دخلوا مجال التخصص التلفزيوني من باب مسايرة ما يشهده المشهد التلفزيوني العالمي، فإنه حري بنا الإشارة إلى أن دخول هذا المجال لا يكون فاعلا وإيجابيا في غياب الاستراتيجيات والرؤى الواضحة والسياسات البرامجية التي تبحث عن انتظارات المشاهد وتسعى إلى تلبيتها وإشراكه في الصناعة التلفزيونية. ولعل فقدان ثقة المشاهد حتى في القنوات المتخصصة من الدوافع القوية للإلتفات إلى مجال آخر ونمط مختلف للصناعة الإعلامية يكون فيه المواطن صحفيا باثّا ومنتجا وجمهورا متلقيا لرسالة اختار بثها وتلقّيها.

وتعتمد القنوات الخاصة نظام البث المفتوح في 709 قناة فيما تعتمد 199 قناة البث المشفر (22.38% من مجموع القنوات الخاصة). في المقابل وفي القنوات العمومية لا نجد إلا قناة واحدة تعمد الى البث المشفّر وهي قناة دبي الرياضية 2.

ومن أهم القنوات التلفزيونية المتخصصة ، القنوات الإخبارية وقد سمحت هذه القنوات بتناول مواضيع كانت معالجتها وطرحها في القنوات الحكومية العربية من المحظورات. وتكثّفت البرامج الحوارية والموائد المستديرة وحلقات النقاش "الساخن" في شتى المواضيع الحيوية والسياسية منها بدرجة أولى، وإن كانت تفتقد أحيانا إلى أرضية تفاعلية حقيقيّة مع الجمهور المتلقي الذي لم يعد قانعا بدور التلقي السلبي.

سعت عديد الدول الى مخاطبة المتلقي العربي تلفزيونيا عبر بعث قنوات تتوجه اليه بمضمون يروّج لسياسات تلك الدول وفي نيّة معلنة وهي التبادل الثقافي والقيمي الانساني في العالم المفتوح وتغيير الصورة النمطية التي قد يحملها المشاهد العربي عن دول بعينها. ولكن في حقيقة الأمر فإن هذه القنوات التي تشرف على بثها في أغلب الحالات جهات رسمية مثل الكونغرس الأمريكي أو الخارجية الفرنسية تخدم أجندات معينة تدخل في باب ما يمكن تسميته القوة الناعمة soft power.

ويبلغ عدد هذه القنوات العمومية الأجنبية 18 قناة تتوزع كما يبيّنه الجدول التالي :

جدول رقم 5 : القنوات العمومية الأجنبية الموجهة الى الجمهور العربي

القناة الجهة المالكة النوعية لغة البث
الحرة شبكة الشرق الأوسط للإرسال – الكونجرس الأمريكي إخبارية العربية
الحرة عراق شبكة الشرق الأوسط للارسال – الكونجرس الأمريكي إخبارية العربية
France 24 France Médias Monde إخبارية الانجليزية
قناة فرنسا 24 France Médias Monde إخبارية العربية
قناة فرنسا 24 France Médias Monde إخبارية الفرنسية
TV5 Monde Maghreb orient Groupe TV5 Monde - France جامعة الفرنسية
TV5 Monde Style Groupe TV5 Monde - France جامعة الفرنسية
CGTN العربية China Global Television Network جامعة العربية
DW arabic شبكة ARD الألمانية إخبارية العربية
NHK World NHK – Japan إخبارية الانجليزية
TRT العربية مؤسسة الاذاعة والتلفزيون التركية إخبارية العربية
TRT Worldقناة مؤسسة الاذاعة والتلفزيون التركية الانجليزية
روسيا اليوم TV Novosti - Moscow إخبارية العربية
روسيا اليوم TV Novosti - Moscow إخبارية الانجليزية
BBc عربي BBC - London إخبارية العربية
CATV مؤسسة الصينية العربية جامعة العربية
قناة KBS World KBS World radio جامعة العربية
قناة ifilm هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية دراما العربية

 

إن أبرز ما يلاحظ من الجدول أن اثنتي عشرة قناة تبث باللغة العربية وأن احدى عشرة منها هي قنوات إخبارية  (أكثر من تسعين بالمائة) مما يحيل الى ترويج هذه القنوات ومن وراءها لمعالجة الأحداث من منظور الدول المالكة مثل الولايات المتحدة (الحرة) وفرنسا (France 24) وروسيا (روسيا اليوم).

وعلى سبيل المثال نجد في تعريف قناة DW العربية أنها تعمل على التعريف بألمانيا ونشر الصورة الأصلية عنها ودعم التبادل الثقافي عبر محطات التلفزيون والراديو   وشبكات الإنترنت.

ومما ورد على موقع مؤسسة الصينية العربية الالكتروني أن قناة الصينية العربية (ِCATV ) التي تبث انطلاقا من دبي، تستهدف 500 مليون مشاهد من اثنتين وعشرين دولة عربية. وترمي القناة الى  التعريف بصورة الصين في وسائل الإعلام العالمية، وإنتاج برامج مميزة باللغة العربية، وإنشاء الجسور المعلوماتية والإقتصادية والثقافية بين الصين والعالم العربي.

 

 

أما قناة كوريا الجنوبية (KBS World ) فتبث في إحدى عشرة لغة من بينها اللغة العربية. وهي المحطة التلفزيونية الوحيدة التي تعمل على التعريف بكوريا الجنوبية في الخارج في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية الى جانب الترويج للعادات والتقاليد وربط الصلة مع الجاليات الكورية الجنوبية في الخارج.

ويبرز الرسم البياني الآتي توزيع القنوات الأجنبية على دول البث:

رسم بياني رقم  4  : توزيع القنوات الأجنبية على دول البث

تبلغ القنوات الفرنسية الموجهة الى العالم العربي أكبر نسبة من مجموع القنوات الأحنبيّة وذلك يعود الى اعتماد البث بلغتين بالنسبة الى قناتي TV5 (العربية والفرنسية) وبثلاث لغات بالنسبة الى مجموعة France 24 (العربية والفرنسية والانجليزية). ومما يلاحظ أيضا أن الولايات المتحدة تخاطب عموم العرب عبر قناة "الحرة" وتخصص قناة تتوجه الى الجمهور العراقي أساسا وتهتم بالشأن العراقي. ويمكن تفسير ذلك بالعودة الى حرب الخليج وما تلاها.

في عصر تنافس فيه الوسائط الاجتماعية ومحامل الاعلام الجديد وسائل الاعلام التقليدية، برز نمط استهلاكي جديد للمادة الاتصالية وهو "الاستخدام لتلبية الحاجة". ولعل ذلك ما يبرّر العدد الكبير من القنوات المتخصّصة التي تسعى الى استهداف فئات بعينها من الجمهور الذي يجد ضالّته فيشعر وكأنه صاحب الوسيلة الإعلامية التي ما وجدت إلا لإشباع حاجاته.

وأصبح المتلقي ومشاهد التلفزيون تحديدا يتطلع الى تحقيق إشباعاته لحاجات معينة ومحددة في مجالات واهتمامات خاصة. ولكن ذلك لم يمنع وجود قنوات جامعة سواء في القنوات العمومية أو في القنوات الخاصة. ويستند القائمون على هذه القنوات في رؤيتهم على اعتبار أن التلفزيون كان وما يزال ينمّي الشعور بالانتماء الى مجموعة والمشاركة من خلال متابعة برامج القنوات العامة أو الجامعة التي يلتف حولها الجمهور ويتحاور في كتلة مجمّعة.

ويقبل الجمهور على القنوات المتخصصة لأنهم لم يجدوا ضالتهم في القنوات الجامعة التي لا يمكنها أن تستجيب الى جميع الحاجات وبالدرجات نفسها. فنجد هذه القنوات تهمّش الثقافة والتربية وتركز على الأغراض البرامجية في مجالات الترفيه والدراما والموسيقى والرياضة والإخبار.

 

ويبرز الجدول الآتي توزيع القنوات العمومية حسب التخصص:

جدول رقم 6 : توزيع القنوات العمومية حسب مجال التخصص

التخصص عدد القنوات النسبة المائوية من القنوات العمومية المتخصصة
قنوات جامعة 70 36.84%
قنوات تعليمية وتربوية 46 24.21%
قنوات رياضية 34 17.89
قنوات إخبارية 10 5.26%
قنوات دينية 9 4.73%
الدراما والترفيه 6 3.68%
الموسيقى والترفيه 1 0.52%
قنوات ثقافية 7 3.15%
قنوات برلمانية 2 1.05%
قنوات وثائقية 2 1.05%
قنوات خدماتية 2 1.05%
قنوات موجهة للأطفال والشباب 2 1.05%
المجموع 190 100

 

أمكن لنا من خلال قراءة الجدول الوقوف على أن أكثر من ثلث القنوات العمومية هي قنوات جامعة من المفترض أن تؤدي في آن المهام الأربع المطلوبة منها وهي : الإخبار والترفيه والتثقيف والخدمات.

ولا يمكن أن نجزم بالتوفّق من عدمه في تحقيق معادلة إشباع الحاجات الاربع إلا من خلال دراسة معمّقة في الشبكات البرامجيّة لهذه القنوات.

وقد استأثرت القنوات التعليمية والتربوية بنسبة تناهز ربع عدد القنوات العمومية وذلك لأن الدول العربية مازالت تعتقد في "عمومية" التعليم والتربية وهو مجال بعيد عن الدخول في منطق السوق والربح والخسارة. لذلك نجد أن عدد القنوات التعليمية في القطاع الخاص محدود ولا يتجاوز الأربع قنوات. وما زالت الرياضة تستأثر بنصيب مهم من عدد القنوات رغم أن منطق الحصريّات وحقوق البث والمضاربة من مميزات سوق البث التلفزيوني الرياضي.

أما القنوات المتخصصة في المجالات التي تنحت شخصية المشاهد العربي وتبنيها مثل الثقافة وبرامج الأطفال والشباب فمازال حضورها محتشما على الخارطة التلفزيونية العمومية.

ويمكن أن ننوّه إلى نقطتين مهمتين وإيجابيتين في تقديرنا :

  • عدد القنوات الدينية غير مرتفع بدرجة لافتة مع الحرص على أن تكون هذه القنوات دينية بأتم معنى الكلمة بعيدا عن النعرات والمهاترات والصدامات المذهبية.
  • محدودية عدد القنوات المخصصة للترفيه والدراما وهو مجال من مجالات تخصص القنوات الخاصة المتخصصة.

 

ويبرز الرسم البياني التالي الخمس تصنيفات الطاغية في توزيع القنوات العمومية :

رسم بياني رقم 5 : الخمس تصنيفات الطاغية في توزيع القنوات العمومية

أما فيما يتعلق بتصنيفات القنوات الخاصة حسب التخصص فإننا نجد أوجه تشابه واختلاف مع القنوات العمومية مع الاتفاق خصوصا على أولوية القنوات الجامعة.

ويجمل لنا الجدول الآتي المعطيات المتعلقة بهذا التوزيع:

جدول رقم  7  : توزيع القنوات الخاصة المتخصصة حسب مجال التخصص

التخصص عدد القنوات النسبة المائوية من مجموع القنوات المتخصصة
قنوات جامعة 194 21.82%
دراما (أفلام، مسلسلات) 175 19.68%
قنوات دينية 132 14.84%
قنوات إخبارية وسياسية 114 12.82%
قنوات رياضية 63 7.08%
موسيقى وترفيه 59 6.63%
أطفال وشباب 56 6.29%
إعلانات وتحادث وتعارف 29 3.26%
قنوات وثائقية 20 2.24%
خدماتية (طبخ، ميكانيك..) 18 2.02%
نمط حياة Lifestyle 8 0.89%
اقتصادية (فلاحة، سياحة..) 8 0.89%
قنوات ثقافية 6 0.67%
قنوات تعليمية وتربوية 4 0.44%
قنوات اجتماعية وموجهة الى المرأة 3 0.33%
المجموع 889 100%

 

وجبت ملاحظة أن القطاع الخاص يبث قنوات جامعة يبلغ عددها 194 مما يمثل نسبة حوالي 22 بالمائة من مجموع القنوات. وتعدّ هذه النسبة مهمة.

ونتبين من خلال الجدول أن الاختصاصات السائدة تخدم غاية الترفيه بدرجة اولى           ( الموسيقى والترفيه والدراما تحتل نسبة  26.31% من مجموع القنوات المتخصصة).

وإن وفرة عدد القنوات المتخصصة في مجالات الموسيقى والدراما والترفيه لا يعني بالمرة أنها نوافذ لترويج الانتاج التلفزيوني العربي فقط. فالقنوات الموسيقية، في جزء منها، تبث الأغاني المصورة العربية والغربية (24 قناة تبث بلغات أجنبية غير اللغة العربية) وبعض القنوات المتخصصة في مجال الدراما تبث انتاجا دراميا أجنبيا إما بلغته الأصلية المرفوقة بترجمة الى العربية أو المدبلجة. فقد بلغ عدد القنوات التي تبث انتاجا دراميا بلغات أجنبية وهي الانجليزية بالأساس ثماني عشرة قناة إضافة الى أن ست عشرة قناة تبث بلغة أجنبية (الانجليزية أساسا) مترجمة أو مدبلجة الى اللغة العربية.

ولم تكن القنوات التلفزيونية الخاصة الموجهة الى الطفل العربي في كلّيّتها عربية الجنسية والمنشأ بل إننا نجد ثلاث عشرة قناة تبث بلغات أجنبية (الانجليزية والفرنسية) وتبث تسع قنوات برامجها المتكونة أساسا من الكرتون بلغات أجنبية مترجمة أو مدبلجة الى اللغة العربية. ولا يعني ذلك أن القنوات التي تبث كامل برمجتها باللغة العربية هي قنوات تعتمد الانتاج العربي الموجه الى الطفل فلا تخلو الشبكات البرامجيّة لهذه القنوات من البرامج الأجنبية وخصوصا الرسوم المتحركة. فأفلام الكرتون مادة تلفزيونية تستهوي الأطفال وتستقطب اهتمامهم وهي مادة شدّ مهمّة جدا. ولا يمكن غلق الباب تماما أمام الرسوم المتحركة الأجنبية لأنه بإمكان الطفل متابعتها في عصر السماوات المفتوحة ولكن وجب التفكير في إنتاج كرتون عربي. إلّا أن الرسوم المتحركة في الوطن العربي تعاني أزمة كتابة وأزمة إنتاج. ويخيّر القائمون على القنوات التلفزيونية اقتناء الجاهز وبثه كما هو أو دبلجته على الاستثمار في مجال تكاليفه أكثر من عائداته.

كما نلاحظ أن القطاع الخاص استأثر بالاستثمار في مجال يبث فيه القطاع العمومي باحتشام وهو مجال القنوات الايديولوجية والدينية لأن الهيئات الحكومية (الحكومية في أغلبها) تتحاشى بعث مثل هذه القنوات (09 قنوات دينية فحسب في القطاع العمومي العربي) التي قد تروّج لأفكار لا تتناسب بالضرورة مع توجهات الحكومات العربية عقائديا. وتروّج القنوات الدينية منتوجا عقائديا موجّها الى معتنقي العقيدة (الاسلام أو المسيحية) أو أحد المذاهب أو الاتجاهات ( السنّة والشيعة وغيرهما). وفي هذا التخصص أيضا وجب إبراز القنوات التبشيرية المروّجة لتعاليم الديانة المسيحية. ولابد من التوقف عند أهمية وخطورة هذه النوعية من القنوات إذ تنشط أكثر من 100 قناة دينية في أنحاء الشرق الأوسط والخليج وتؤدي دورا فاعلا دون أن يكون إيجابيا بالضرورة في تأجيج التحريض بين المجموعات السياسية والطائفية المختلفة.

وقد أحصى مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن الجهات الرّئيسة التي تموّل القنوات الدينية التي تتمركز وتبث أساسا انطلاقا من المشرق والخليج العربيين.

كما غذّت هذه القنوات، على الأقل في جزء مهم منها، النعرات المذهبية والطائفية وكرّست الممارسات المتخلفة والساذجة و تحولت الفضائيات الدينية إلى ساحة حرب بين الشيعة والسنة وبين الصوفية والسلفية.  وهناك عدد من القنوات التي تخدم توجها إيديولوجيا معينا، وتبتعد عن دورها التأطيري، لتتبنى توجهات سياسية بعينها، وتحاول أن تدافع عنها وتبحث لها عن مصوغات شرعية، وبذلك تصبح هذه القنوات أبواقا للدعاية السياسية، ما يتنافى مع دورها إذ ينبغي عليها أن تظل في إطار الوعظ والإرشاد دون التأثر أو الخلط بين ما هو ديني أو سياسي.

وما فتىء عدد القنوات "الدينية " يتعاظم من عام الى آخر وهو ما نتبيّنه من خلال الجدول الآتي :

جدول رقم 8: تطور عدد القنوات التلفزيونية الدينية

السنة

 

القنوات

 

2009 2010 2011 2012-2013 2014 2015 2019-2020 2023-2024
قنوات القطاع الخاص 599 609 960 1152 1129 1119 907 889
القنوات الخاصة الدينية 35 79 157 210 86 50 121 132

 

نلاحظ أن عدد القنوات الدينية غير ثابت بل هو متغير بالزيادة أو النقصان. فمن مميزات البث الفضائي العربي ظهور "الفقاقيع" التي يصمد بعضها ويأفل بعضها الآخر إما للإفلاس المادي أو الجماهيري أو تعرّضها لمنع البث.

ومن مميزات القطاع التلفزيوني الخاص أنه يفرد تخصص الاعلانات والتحادث والتعارف بحيّز هام على خارطته (29 قناة). وتعلن هذه القنوات عن طرق ربط علاقات بين الجنسين وعن منتوجات طب الأعشاب ووصفات التداوي دون عيادة الطبيب والعلاج الروحاني وعالم الفلك والأبراج.

ونتعرف من خلال الرسم البياني التالي على الخمس تصنيفات الطاغية في توزيع القنوات الخاصة :

رسم بياني رقم 6 : الخمس تصنيفات الطاغية في توزيع القنوات الخاصة

وإذا نظرنا الى البث الفضائي العربي إجمالا بصنفيه العمومي والخاص فإننا نجد التصنيفات الخمس التالية تطغى على المشهد وهي :

  • القنوات الجامعة : 264 قناة (46% من مجموع القنوات العربية)
  • قنوات الدراما والترفيه والموسيقى : 231 قناة (40% من مجموع القنوات العربية)
  • القنوات الدينية : 141 قناة (06% من مجموع القنوات العربية)
  • القنوات الإخبارية : 124 قناة (49% من مجموع القنوات العربية
  • القنوات الرياضية : 97 قناة (98% من مجموع القنوات العربية

وتستأثر هذه الأغراض البرامجية في مجملها بنسبة تناهز الثمانين بالمائة من مجموع القنوات التلفزيونية العربية.

رسم بياني رقم 7 : تصنيفات القنوات الطاغية على المشهد التلفزيوني العربي

تسعى القنوات التلفزيونية العربية الى أن يصل مدى بثها الى أكبر رقعة جغرافية ممكنة مما يتيح استهداف أكبر عدد من المشاهدين. ويجب أن نشير الى أنه إضافة الى هذه الأقمار فإن عددا من الهيئات استفادت من نظام البث المتمثل في الباقة العربيّة الموحّدة التي تمّ إحداثها بالتعاون بين اتحاد إذاعات الدّول العربية ومؤسسة عربسات منذ سنة 2004. ويمكّن هذا البث من تغطية كامل أرجاء الكرة الأرضية. ويصل بث هذه الباقة إلى أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا واستراليا ونيوزيلندا.

ومن مميزات الباقة الموحّدة استخدامها الأقمار الصناعية الأكثر إقبالا من قبل الجاليات العربية في الخارج.

وتتكوّن الباقة العربية الموحدة من أكثر من عشرين قناة فضائية هي من: السعودية والعراق والسودان وقطر وفلسطين وسوريا والكويت والأردن والإمارات وليبيا وسلطنة عمان.

وبالإضافة إلى التغطية عبر الأقمار الصناعية، وجب ذكر الباقة التلفزيونية عبر بروتوكول الانترنت (IPTV). وهي إحدى الخدمات البارزة التي يقدّمها اتحاد إذاعات الدول العربية لهيئات الإذاعة والتلفزيون العربية الأعضاء به وكذلك لغيرها من الإذاعات والقنوات.

وتشارك في هذه الخدمة أكثر من أربعين قناة تلفزيونية عمومية من بينها قنوات من تونس والأردن والإمارات وقطر والعراق وغيرها.

 

 

 

ويبين الجدول التالي الاقمار التي يعتمدها البث الفضائي العربي بالنسبة الى القنوات العمومية كما الخاصة:

جدول رقم  9  : أقمار بث القنوات التلفزيونية                          

                                                                                                                                                              القمر الصناعي القنوات العمومية القنوات الخاصة مناطق التغطية
بدر 4 68 57 شمال افريقيا والشرق الأوسط وأوروبا
بدر 5 2 13 شمال افريقيا والشرق الأوسط وجنوب أوروبا
بدر 6 36 75 شمال ووسط افريقيا والشرق الأوسط واوروبا وغرب آسيا
بدر 7 9 13 شمال وغرب افريقيا
يوتلسات 105 684 شمال افريقيا والشرق الاوسط وجنوب أوروبا
نايلسات 67 202 شمال افريقيا والشرق الاوسط والخليج العربي وكامل السودان
سهيل سات 1 1 42 شمال افريقيا والشرق الاوسط
سهيل سات 2 11 53 شمال افريقيا والشرق الأوسط
هوتبيرد 36 139 شمال افريقيا والشرق الأوسط واوروبا
Yahsat 1A 11 34 شمال افريقيا والشرق الاوسط واوروبا وجنوب غرب آسيا
SES 4 5 1 غرب إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط
Optus D2   6 أستراليا ونيوزيلندا
Apstar 5 C   1 آسيا والمحيط الهادي
Asiasat 11 3 الشرق الاوسط وآسيا واوروبا الشرقية واستراليا
Africasat 1A   1 افريقيا وأوروبا والشرق الأوسط وشرق الولايات المتحدة
Turksat 4A 1 3 شرق افريقيا والشرق الأوسط وجنوب أوروبا وآسيا
Astra 3 5 أوروبا
Thor 5   1 الشرق الأوسط وأوروبا
Hispasat 70 37 أوروبا وأمريكا
Intelsat 2 12 أسيا وأوروبا والشرق الأوسط
Express AM8   1 أوروبا وإفريقيا والقارة الأمريكية
Galaxy 19 18 6 أمريكا الشمالية
AM6 3 12 جنوب شرق آسيا ووسط أوروبا
Belinterast 1   1 شرق أوروبا ووسط وشرق آسيا وإفريقيا
Arabsat 5 A 1   افريقيا والشرق الأوسط
Arabsat 5c 22 1 كامل القارة الافريقية والشرق الاوسط وأوروبا وغرب آسيا
Alcomsat 6   شمال افريقيا ومصر والنيجر ومالي وشمال السودان وبوركينا فاسو
NSS 1  - التلفزيون الصومالي   غرب وجنوب افريقيا وأسيا وأمريكا الجنوبية
Thaicom 6 1   أسيا
Telkom 4 2   أسيا
Chinasat 11 1 – قناة القرآن الكريم   جنوب آسيا
Measat 3 a 1 – قناة القرآن الكريم   أسيا واستراليا وغرب أوروبا

 

تجدر ملاحظة أن المنطقة المغطاة بالدرجة الأولى هي المنطقة العربية بما هي  شمال افريقيا والشرق الأوسط والخليج العربي. كما تحرص القنوات العربية على أن يصل بثها الى المشاهد في القارة الأوروبية ولكن هذا التوجه يستهدف اساسا الجاليات العربية باعتبار غياب الخطاب الموجه الى المشاهد الأوروبي بلغته الأم.

وإجمالا، فإن بث القنوات التلفزيونية العربية يغطي تقريبا كل مناطق العالم ولكن وجب التفكير في استهداف غير العرب، وبتوفير مادة تلفزيونية تستجيب لانتظارات المشاهد المغترب في جهات مختلفة من العالم.

وقد سجل  القطاع الخاص توسعا في المساحة الجغرافية للبث باستعمال سواتل جديدة بحيث يصل اليوم البث الفضائي العربي إلى جميع جهات العالم بما في ذلك استراليا ونيوزيلندا والأمريكيتين.

كما نلاحظ أن أهم الأقمار الصناعية المستخدمة هي :

  • نايلسات (Nilesat)
  • هوتبيرد (Hotbird)
  • يوتلسات (Eutelsat)

وتتفق هذه الأقمار الثلاث على تغطية شمال إفريقيا والشرق الأوسط الى جانب استهداف المشاهدين في القارة الأوروبية.

تتميز المرحلة الجديدة التي دخلها الإعلام عموما والإعلام التلفزيوني خصوصا بترابط وتكامل بين مجالات الإعلام وتكنولوجيا الإتصال وجمع المعلومات بحيث أصبح من الصعب تعريف الإعلام أو الإتصال بمعزل عن تكنولوجيا الإتصال والمعلوماتية. فالثورة في تكنولوجيا الإتصال أوجدت وسائل جديدة في الإتصال مثل البث التلفزيوني الكابلي والفضائي والتكنولوجيا الرقمية التي وفرت إمكانات هائلة لاستقبال الصوت والصورة بدقة ونقاء غير مسبوقين، وكذلك وسائل الإعلام المرئية التفاعلية والفيديو تحت الطلب والصحافة الالكترونية عبر شبكة الانترنت ووسائل الإتصال المحمولة علاوة على التطبيقات المختلفة للوسائط المتعددة. وقد ارتبطت هذه الوسائل والتطبيقات بالمعلوماتية المتعددة.

وأتاحت وسائل الثورة التكنولوجية المرتبطة بالإعلام والإتصال والمعلوماتية وتطبيقاتها إمكانات واختيارات هائلة وأيضا تحديات أمام الأفراد والمجتمعات.

فقد تعاظمت قدرة تكنولوجيا الإتصال على تجاوز الحدود السياسية والنفاذ عبر الثقافات ، وأتاحت تكنولوجيا الإتصال التفاعلية واللاّجماهيرية واللاّتزامنية وقابلية التوصيل والشيوع والكونية (1).

وقد تمكن الجمهور، أو لنقل للأمانة فئة منه، من استغلال ما تتيحه شبكة الانترنت من فضاءات لنشر "المنتوجات" التي يقترحها الجمهور وتبادلها. وشيئا فشيئا برز مفهوم صحافة المواطن التي اعتبرها البعض بمثابة السلطة الخامسة التي تمثل، في نظر البعض، تهديدا جديا وحقيقيا لما سمي السلطة الرابعة التي تجسمها الصحافة التقليدية.

وبانتشار صحافة المواطن وصحافة المواقع الإجتماعية أصبح لدى الصحفيين أنفسهم " وعي بأن هذا الصنف الجديد من الإعلام يحدث نوعا من الثورة على التقاليد الإعلامية" (1)

وإننا نعتبر أن مفهوم الإعلام الجديد أصبح واقعا وقد نقول إنه لا يجوز الحديث عن جديد اكتسب شرعية تاريخية. ونحن الآن أمام حتمية الحديث عن الإعلام المندمج المتكامل. وإن الإعلام التقليدي سيستفيد من خصوصيات الإعلام الجديد من حيث سرعة الانتشار والحصول على المعلومة والقدرة على تغطية الأحداث مهما كان موقعها. ويكون دور الإعلام التقليدي إخضاع الإنتاجات الإعلامية الحديثة لقالب مهني يراعي خصوصيات الجمهور والمواصفات التقنية والمهنية للعمل الإعلامي. ويمكن أن يتجلى التكامل أيضا على مستوى آخر.

فاعتبارا لصعوبة مسايرة النسق السريع لبث الأخبار على الواب؛ فإن وسائل الإعلام التقليدية يمكن أن تتوقف عند أبرز الأحداث والتحقيق حولها. وهذه ميزة للتلفزيون بالأساس الذي يمنح المشاهد فرصة للفهم العميق والمتأني للمسائل المطروحة بعجالة أو باعوجاج عبر المواقع الاجتماعيّة. فالوسائل التقليدية هي الأقدر على تفكيك رموز الأحداث وتأويلها. هو عصر جديد يفرض تحديد الأدوار وتوفير آليات الاعتراف الفعلي بالمتدخلين الجدد في الصناعة الإعلامية، عصر الاعلام المندمج المتكامل.

وقد منحت هذه الصحافة الجديدة حيزا ضخما للتحرر الكامل من كافة عوامل الضبط الإجتماعي؛ ذلك أن المستخدمين لها يستطيعون التخلص من القوانين الأرضية والسنن الإجتماعية؛ ويصنعون عوالم وجماعات افتراضية Virtual worlds and communities يمارسون فيها ما لا يستطيعون القيام به في عالم الواقع.

وقد وجدت وسائل الإعلام التقليدية نفسها مدفوعة إلى مزيد فتح أبواب التفاعل أمام الجمهورالمتلقي بإتاحة الفرصة أمامه للتعبير عن رأيه ومن خلال بث البعض من إنتاجات المواطنين. وفي البداية كان الجمهور يختار المعلومات التي يريد الحصول عليها وكان متلقيا فقط ولكنه"متلقي مخير". وتعد تلك المرحلة مرحلة وسطى أو "مرحلة جسرا" مر بعدها المتلقي إلى مرحلة البث. ولكن وجبت الاشارة الى أن هذا البث، وان كان عبر المواقع الاجتماعية، فهو يخضع لضوابط ومواثيق وضعها من يمتلكون التكنولوجيا والقادرون في كل لحظة أن يحظروا عليك الولوج الى أي منصة بتعلّة خرق المواثيق.

وإذا عدنا إلى النظريات التي ركزت على دور الجمهور في التعامل مع الرسائل الإعلامية؛ نجد أن نظرية "الاستخدامات والإشباع" تضفي نوعا من الشرعية على هذه المرحلة الوسطى. فالجمهور ليس متلقيا سلبيا يقبل كل ما تعرضه وسائل الإعلام أو وسائل الاتصال الحديثة، بل يمتلك غاية محددة من تعرضه يسعى إلى تحقيقها. والجمهور هنا باحث ناشط عن المضمون الذي يبدو أكثر إشباعا له. وكلما كان مضمون معين قادرا على تلبية احتياجات الأفراد؛ كلما زادت نسبة اختيارهم له.

فالمتلقي يختار، حسب هذه النظرية ما يستقبل من معلومات ورسائل إخبارية ويرفض ما لا يريد. ولم يقف المتلقي عند هذه المرحلة، فأصبح يبث المعلومات وينشرها ويتبادلها، إذا سمح له المتحكم في التكنولوجيا بذلك، ويتلقى تفاعلات المواطنين بشأنها.

وقد أسهمت الثورة التكنولوجية والتقنيات الحديثة في مجال الإعلام والاتصال في إلغاء الحواجز المكانية والزمانية وطرحت قضية الطريقة الفضلى للتوظيف الإيجابي والأمثل لهذه التقنيات خدمة للإعلام والاتصال.

وترافق إلغاء الحواجز مع بروز محامل لا تبث الخطاب الأحادي مثلما هو سائد في عديد وسائل الإعلام التقليدية أو القديمة. وأصبحت الوسيلة التي تشد الانتباه هي التي تكرس التفاعل وتفتح مجالات رجع الصدى،  أحد ابرز مكونات العملية الإتصالية. ولعل المواقع المتخصصة في بث إنتاجات أنجزها مواطنون غير محترفين ولم يتلقوا تكوينا في مجال الصناعة الاعلامية أقدر نسبيا على تحقيق درجة عالية من التفاعلية.

وإذا كان الحديث تواتر بشكل ملحّ عن الإعلام الجديد؛ فإننا لا نجد كما ذكرنا تعريفا علميا ثابتا ودقيقا ومحددا لهذا المفهوم. وتحيل عبارة "الجديد" إلى تغير طريقة المعالجة ومحاملها ومعادلة العملية التواصلية.

وهي تعني كذلك التزاوج (convergence) ما بين تكنولوجيات الاتصال والبث الجديدة

والتقليدية مع الكومبيوتر وشبكاته؛ تعددت أسماؤه ولم تتبلور خصائصه النهائية بعد ويأخذ هذا الاسم لأنه لا يشبه وسائط الإتصال التقليدية؛ فقد نشأت داخله حالة تزامن في إرسال النصوص والصور المتحركة والثابتة والأصوات (1)

ملخص القول أن زمن "الاستهلاك التلفزيوني" التقليدي للمادة السمعية البصرية قد ولّى وانتهى واصبح المتلقي يختار ما يشاهد ومتى يشاهده ولم تعد لديه تلك القدرة على مشاهدة التلفزيون لمدة طويلة وذلك لتوفر البدائل والوسائط المتعددة. وهنا وجب على القنوات التلفزيونية أن ترفد بثها بمواقع على الانترنت تتيح التفاعلية وتختصر المادة التلفزيونية لتكون "لمجة سمعية بصرية سريعة" لمتلقي القرن الواحد والعشرين.

كما أن القنوات التلفزيونية وكل وسائط الاعلام التقليدي مدعوّة، إذا كانت تروم الديمومة على خارطة المشهد السمعي البصري، أن تفتح باب التفاعلية على مصراعيه وأن تتحول شاشاتها إلى منصات يشاهد عبرها المتلقي إنتاجاته.

وإننا لا نتفق مع الراي القائل : انتهى عصر التلفزيون التقليدي. وحتى وإن تمكنا من تكنولوجيا البث والترويج عبر منصات الاعلام الجديد، فان المشاهد مازال يعتبر التلفزيون "أهل ثقة" يعود اليه في عديد الأحيان للتثبت من معلومة روجتها وسائل الاعلام الجديد.

وإذا كان هناك من يعتبر أن ما يسمى بالسلطة الخامسة، سلطة المواقع الاجتماعية، ستكون بديلا عن وسائل الاعلام التقليدية والتلفزيون على وجه الخصوص،  وهي فضاء الحرية المطلقة، فعليه أن يراجع موقفه . ذلك أن هذه الوسائط الجديدة تخضع لرقابة مشددة ولعل ما شهدته الساحة الإفتراضية خلال الحرب على غزة يقيم خير دليل على ذلك.

وإن  دور التلفزيون اصبح مهما وخطيرا كون أنه مطالب بالإطلاع على ما ينشر عبر المواقع الإجتماعية وتأكيد الصحيح وتكذيب المضلل لأن فئة مهمة من الجمهور مازالت في مرحلة أنها لا تصدق خبرا إلا إذا نقله التلفزيون عندما يتعلق الأمر بوضعية أزمة أو كارثة بالخصوص.

وأصبح المتلقي يطلب من التلفزيون أكثر مما كان يطلبه منه في الماضي. فهو يطلب منه المعلومة السريعة وعدم ممارسة الرقابة وإتاحة الفرصة لتفاعل الجمهور المتلقي عبر فسح المجال له ليعبّر عن رأيه وليعرف كل التفصيلات وبالخصوص زمن الأزمات.

كما يرغب المواطن في أن يكون التلفزيون محملا ثانيا يعيد بث إنتاجات راجت على الشبكات الإجتماعية , وذلك بعد التثبت من صدقيّتها واحترامها الأخلاقيات. وهنا تتجلى رغبة المواطن النشط على المنصة الجديدة في أن ينعكس نشاطه على المحمل التقليدي سعيا إلى تحقيق مزيد الانتشار.

إن الوضع الجديد الموسوم بالتحولات التكنولوجية وتغير المعادلة الاتصالية وتداخل الأدوار والنفور النسبي للجمهور من وسائل الإعلام السمعية البصرية التقليدية؛ يطرح تساؤلا مهما ومركزيا :  كيف يمكن أن نضمن "التعايش" والتكامل بين الشكلين التقليدي والحديث وتوظيفهما لصالح الجمهور المتلقي تجذيرا لمفهوم الإعلام المندمج المتكامل؟

 

 

ولكن هل أن هذا التعايش ممكن أصلا إذا كان هناك من يعتمد، أو من المفترض أن يعتمد، قواعد ثابتة في الصناعة الإعلامية وفي المقابل نجد هواة يمارسون دون قواعد وضوابط مهنية؟ وهذا تساؤل من عديد التساؤلات التي تظل مطروحة إلى حين. ولكن الممارسة الإعلامية ليست بالعلم الصحيح الخاضع  لقواعد علمية رياضية لا تتغير. وهنا لا نقول التخلي عن الضوابط المهنية السائدة ووضع مقومات جديدة للصناعة الإعلامية. ولكن ما يتحتم القيام به هو تكييف الضوابط لمتطلبات الجمهور وتغيّر الأدوار في العملية الاتصالية بما يعزز مفهوم مشاركة الجمهور ويؤسس للتفاعل المباشر والسريع دون قيود بين المنتج والمتلقي. ويمكن أن نجزم أن وسائل الإعلام السمعية البصرية؛ وخصوصا العمومية  منها، ولكي تضمن بقائها واستعادة ثقة الجمهور المتلقي بها، مدعوة الى التحرك على واجهتين :

. الواجهة الأولى : استعادة ثقة الجمهور المتلقي وهي مهمة ليست باليسيرة وتتطلب مجهودات  مضنية ووقتا طويلا. ذلك أن المواطن الصحفي أو "المواطن المتلقي" المستهلك للمواد الاخبارية على المواقع الإجتماعية هجر الإعلام التقليدي؛ ولو نسبيا، نتيجة تراكمات عديدة لسنوات طويلة. ويمكن أن تتم استعادة هذه الثقة بمزيد الاهتمام بإعلام القرب والحديث عما يهم المتلقي من قريب وعن مشاغله واهتماماته.

ويتم ذلك أيضا عبر تدعيم فضاءات الحوار وفتحها أمام  المواطنين العاديين وعدم الاقتصار على أهل السياسة والخبراء. فكلما استمع الجمهور إلى صوته وشاهد صورته وأحس بمشاركته الفاعلة في الفضاء العمومي كلما تدعّم لديه الشعور بأن هذا الجهاز الاعلامي يخاطبه هو ويلبي حاجاته الإخبارية. ف"انغلاق وسائل الإعلام التقليدية وعدم سماحها ببروز الرأي المخالف من جهة؛ وظهور البيئة الرقمية ووسائل الإعلام الجديدة من جهة أخرى؛ جعلت الأفراد يتحولون من متلقين سلبيين؛ إلى مشاركين نشطين في الفضاء العمومي" (1)

وقد عاد الجمهور بقوة بعد الثورات الى متابعة وسائل الإعلام السمعية البصرية التقليدية منتظرا مواد مختلفة عما كان يستهلك في عهد الاستبداد والرقابة الشديدة المسلطة على الإعلام وأجهزته.

و ارتفعت نسب مشاهدة النشرات الإخبارية التلفزيونية وبالخصوص المسائية منها. فالجمهور المشاهد متعطش لإشباع رغبات وحاجات ظلت مؤجلة التنفيذ. وهو يرغب في استهلاك مواد إخبارية تصل إليه مباشرة دون المرور بعديد البوابات.

.الواجهة الثانية: قيام الوسائط التقليدية بدور حاضنة الصحفيين المواطنين. فقد أصبحنا نشاهد مثلا ضمن النشرات الإخبارية التلفزيونية صورا التقطتها كاميرا

صحفيين مواطنين لتغطية أحداث لم يتسن تسخير فريق تصوير محترف لمواكبتها.

وقد أصبحت الوسائط التقليدية تعمد إلى بث بعض إنتاجات المواطن الصحفي التي تم التأكد من صدقيتها. فلا مناص من أداء وسائل الإعلام التقليدي لدور المصفاة لبث منتوجات صحافة المواطن. ويمكن اعتبار المصفاة هنا دورا جديدا لحارس البوابة.

فهو يتأكد من مدى صدقيّة الخبر ومصداقية المصادر واحترام المادة لأخلاقيات الممارسة الصحفية. والحارس هنا لا يقف سدا منيعا يحول دون وصول المعلومة إلى المتلقي؛ الذي لم يعلم بها، بل هو "يمنع" وصول الشوائب التي تخلّ بأصول بث المعلومات.

وتواصل وسائل الاعلام التقليدية هذا المسعى، بالتوازي مع التحرك على الواجهة الأولى . وعند النجاح تنصرف وسائل الاعلام التقليدية إلى ممارسة عملها وأداء رسالتها. وإذا وصلنا الى هذه المرحلة، فهل أنه مازال جائزا الحديث عن إعلام تقليدي؟. ولعل الأصح عندها أن نتحدث عن إعلام حديث. فالإعلام الحديث هو الذي يحترم القواعد المهنية وأخلاقيات الممارسة الاعلامية وهو الذي ينفتح على إنتاجات صحافة المواطن ويعتمد التكنولوجيات الحديثة ويوظفها لتحقيق السبق الرصين في مجال جمع المعلومات وتجميعها وبثها ويسعى بالخصوص إلى مزيد تكريس التفاعل مع الجمهور المتلقي وفتح المجال أمامه ليعبر عن مشاغله ووجهات نظره.

فكلما سعت وسائل الإعلام الى التعرف على الجمهور المتلقي كلما شدت انتباهه.

وقد لاحظنا أن وسائل الإعلام السمعية البصرية وبصفة خاصة الحكومية "العمومية" منها، تشهد حاليا حالة من الارتباك والتخبط. فهي من ناحية؛ قد فقدت مصداقيتها؛ أو نسبة كبيرة منها، لدى الجمهور؛ ومن ناحية أخرى وجدت نفسها في مواجهة متدخل جديد هو صحافة المواطن. ولا يمكن الحديث بمنطق القطيعة بين القديم والجديد أو بين التقليدي والحديث.

وقد أمكن لنا من خلال البحث الوقوف على شرعية طرح مفهوم الاندماج والتكامل

الاعلامي وبالخصوص على مستوى المواد السمعية البصرية. ولا يلغي هذا المفهوم الجديد ما قامت عليه النظريات السابقة بل يؤسس عليها ويأخذ في الاعتبار المتغيرات التي طرأت على المشهد الاعلامي.

وقد أطلق البعض على الاعلام الراهن تسمية الاعلام الجديد. لكن الأصح أن نقول الاعلام المتجدد. ذلك أن القواعد المهنية والأخلاقيات تظل ثوابت وما يتغير هو المحامل وطبيعة الجمهوروالتقنيات المعتمدة وظروف التلقي والاستقبال.

و يمكننا الجزم؛ بأن ما وصل إليه المشهد السمعي البصري من تغيرات وما طراً على معادلة العملية الإتصالية هو نتيجة حتمية لعدم تمكن وسائل الإعلام التقليدية عبر قنواتها المتعددة وأغراضها البرامجية المختلفة من تحقيق الإشباعات الإعلامية ؛ بصفة كاملة ومتوازنة؛ التي ينتظرها الجمهور المتلقي. ويمكن تفسير ذلك أيضا بالعودة إلى دور حارس البوابة والرقيب الذي يعرقل انسيابية البث الإعلامي. وفي ضوء ذلك وجد الجمهور أرضية تكنولوجية تيسر عليه الدخول إلى فضاء الصناعة الإعلامية الذي لم يعد حكرا على من تلقى مبادئ الصناعة الإعلامية في المؤسسات الأكاديمية. وأصبح من الضروري الاعتراف بوجود المتدخل الجديد في الصناعة الاعلامية. ولا يعني ذلك أن هذا الاعتراف لا تشوبه احترازات لعل أهمها صعوبة التأكد من صدقية المنشور والالتزام بأخلاقيات المهنة.

ولعل السؤال المركزي هو : ما مدى قدرة وسائل الإعلام التقليدية؛. وخصوصا منها التلفزيون؛ على مواكبة المتغيرات التي طرأت على مجال الممارسة الإعلامية والصمود في وقت تعالت فيه عديد الأصوات المنذرة بنهاية هذه الوسائل؛ والمشككة في مدى قدرتها على مواصلة شد الجمهور إليها؟

وإن الجمهور يتطلع إلى أدوار جديدة للتلفزيون تكون أكثر تفاعلية في زمن الميديا الجديدة. وقد ظهرت تسميات جديدة للتلفزيون مثل التلفزيون التشاركي  والتلفزيون الإجتماعي.

فالمجلس الأعلى السمعي البصري الفرنسي اعتبر في تقريره الصادر في 2015 أن التلفزيون التشاركي هو مرادف للتلفزيون الإجتماعي.(1)

ويعرف التلفزيون التشاركي La télévision participative بأنه مجموع التفاعلات الإجتماعية التي تحدث بشأن المحتوى السمعي البصري، والتي يمكن أن تكون على مواقع الناشرين وتطبيقاتهم للهواتف المحمولة ومنصاتهم على مواقع الشبكات الإجتماعية. وتتيح تلك المنصات للمشاهدين إمكانية التعبير عن آرائهم والتصويت قبل بث البرامج أو خلاله أو بعده. وهو ما يسمح بتعزيز التفاعلات بين الناشرين والمشاهدين (2).

 

أما التلفزيون الإجتماعي (Social TV )، فيعتبر كل من باتريسيا سبينا (Patricia SPINA )   و ماكسنس فيالون (Maxence VIALLON)  بأنه التلفزيون الذي يستخدم مواقع الشبكات الإجتماعية كوسيلة للتفاعل مع الجمهور(1) أي أنه "تلفزيون يحاول إضفاء بعد تفاعلي على برامجه من خلال تبادلاته مع الجمهور عبر التكنولوجيات الرقمية " (2)

وإذا كان هناك من يذهب إلى اعتبار أنه لم يكن بالإمكان التنبؤ بأن الواقع الإعلامي سيصل إلى المرحلة الحالية؛ فإنه لا يمكن قبول ذلك واعتباره من المسلمات بل انه يدفع الباحث الى التساؤل : هل  أن وسائل الإعلام وتخصيصا مجال الاهتمام الأول التلفزيوني؛ أدت وظائفها على الوجه الأكمل في  شد المتلقي إليها أم أنها كانت من بين الأسباب غير المباشرة في فقدان المتلقي الثقة في وسائل إعلامه؟

وإن الاجابة عن هذا السؤال لا تكون إلا عبر إجراء دراسات تستهدف المحتوى المعروض على المتلقي وأخرى تبحث في مدى تحقيق المواد المعروضة لإشباع انتظارات الجمهور المستقبل وحاجاته.

على ضوء المقاربة الكمّيّة والكيفية المعتمدة انطلاقا من إحصاءات واقع البث الفضائي العربي، ورغبة في النهوض بواقع الإسهام العربي في المشهد التلفزيوني، نوصي بما يلي :

  • لا يمكن البتّة للقنوات التلفزيونية العربيّة، في جزء منها على الأقل، أن تبقى على هامش التطورات التكنولوجية المتجسّمة في ثورة الاتصالات والمعلومات. ونذكر في هذا المجال الدور المهم الذي تؤديه المواقع الالكترونية للقنوات التلفزيونية كرافد اساسي لما يبث على الجهاز التقليدي. فهذه المواقع لا يجب أن تكتفي بتقديم شبكات البرامج والأخبار بل تتجاوزها الى الاستثمار في مجال "البيانات الوصفية أو الميتاداتا Méta data" التي تقدم المعطيات الأساسية عن البرامج وتروّج لها وتتيح خدمة "المشاهدة حسب الطلب VOD". ولا يتم التقديم والوصف بطريقة سطحية وتقليدية بل بطريقة ثريّة من حيث المعطيات والبيانات.
  • باعتبار أن صناعة الانتاج التلفزيوني تطوّرت بشكل كبير وجبت مواكبة التطورات التقنية. وتعدّ تقنية الذكاء الاصطناعي أحد مظاهر هذا التطوّر التقني. لذلك وجبت تهيئة البيئة الإعلامية العربية لتمكين القدرات العربية من استخدام هذه التقنية. ويقتضي ذلك، الاستثمار في التأهيل والتدريب مع ضرورة الاعتراف المؤسسي بدور التقنيات الذكية وتبديد الخوف غير المبرّر من فقدان المكانة المهنية. وممّا يتيحه الذكاء الاصطناعي في المجال التلفزيوني مثلا لا حصرا، تحسين سير العمل وتقييم الجودة وتوجيه المحتوى تلقائيّا إلى جمهور محدّد أو أفراد بعينهم.
  • ضرورة مزيد دعم التفاعلية وتجاوز عقلية البث في اتجاه واحد. فالمتلقي أصبح يبحث عن فضاءات تتيح له التعبير عن رأيه من جهة وتفتح أمامه الباب لترويج "إنتاجاته" من جهة أخرى.
  • العمل على ترشيد محتويات القنوات المذهبيّة و"الدينيّة" التي تروّج خطاب الفتنة والكراهية والتناحر بين المذاهب ومعتنقي الايديولوجيات المختلفة.
  • "تطهير" المشهد الفضائي العربي من قنوات الدّجل والشعوذة والتسطيح الذهني بتعلّة معالجة ما استعصى من الأمراض باعتماد السحر ووصفات العلاج الرّوحاني...
  • ضرورة التشجيع على الإنتاج التلفزيوني العربي المشترك في مختلف الأغراض البرامجيّة دون أن يكون ذلك مناسباتيّا وفي صيغة ثنائية عند الأعياد الوطنية أو تظاهرات ظرفية بعينها بل وجب وضع أسس استراتيجية واضحة المعالم للنهوض بهذا الانتاج المشترك. وإن إنتاج برامج تلفزيونية ذات جودة عالية لا يمكن أن يتحقق إلا بتخصيص الإنفاق المناسب وهو ما لا تقدر عليه سوى أطراف مجتمعة. ففي البلدان المتقدمة لا يتم الإنتاج التلفزيوني "الثقيل" إلا بفضل الشراكة.
  • التشجيع على الانتاج في مجالات تلفزيونية مهمة ولكنها مازالت مهمشة مثل البرامج الثقافية وبرامج الأطفال التي مازالت في أغلبها مستوردة بكل ما لهذا الإستيراد من تأثيرات على الطفل العربي.

وإن المشاهد المحلي المتعطّش إلى المادة الثقافية، يلجأ إلى "استهلاك" المضامين الثقافيّة التي تبثها القنوات الفضائيّة الأخرى. وهي مضامين تنتجها كيانات إعلاميّة واقتصاديّة كبيرة تسيطر على السوق الإعلاميّة بما تملكه من إمكانات مادية وتقنيّة وبشريّة. وتنطبق على هذه السوق مقولة : البقاء للأقوى أو للأقدر. وقد أصبحت المعلومة بضاعة ذات شكل واحد وأبعاد واحدة ومصادر واحدة الأمر الذي يهدّد وجود عالم متنوّع الأوجه ومتعدّد الأطراف.

  • تجاوز النظرة الضيّقة لدور التلفزيون المتمثّل في الاقتصار على مخاطبة الذات والتوجّه إلى الدّاخل. فالدّور الأخطر والأهمّ، على الأقلّ في المرحلة الراهنة هو مخاطبة الآخر بلغته ونقل الصورة الايجابيّة الحقيقيّة عن المواطن العربي والعروبة. فلا يعقل أن يعمل "الآخر" على استهدافنا تلفزيونيّا والترويج لثقافته وقيمه ورؤيته. وإنّه في الوقت الذي يخترق فيه الآخر الفضاء السمعي البصري العربي، يقف العرب موقف المستهلك السلبي لصورة رسمها الآخرون عن العربي الذي جعلوه أمّيّا وإرهابيّا وعنيفا ومتعصّبا ومتطرّفا. أما الصورة الحقيقية عن الحضارة وعراقة التاريخ والتشبّث العربي بالوسطيّة والاعتدال والتسامح والتفتح، فهي مغيّبة. ومن الخطأ أن نظل في انتظار أن يلمّع الآخر صورتنا، بل علينا التحرك السريع لإبراز الصورة الحقيقيّة للعرب ولتحسين الصورة التي أصبح البعض يحملها عن العرب بفعل وسائل الإعلام. وإن وسائل الإعلام ومنها خصوصا التلفزيون، تؤدّي دورا مهمّا في تعميق الخلاف أو في تقريب وجهات النظر ومدّ الجسور بين الشعوب والتعريف بها وبتاريخها بما يعزز التفاهم بين الثقافات على نحو أفضل. ولا يمكن لأي ثقافة أن تمتد جذورها في ظل تغييب الآخر والانغلاق على النفس. فالثقافات الوطنية هي أجزاء متكاملة ومترابطة لتكوّن ثقافة عالمية من شأنها في نهاية الأمر تحقيق التقارب بين الكل وتكريس مبدأ الأخذ والعطاء والثراء والإثراء.
  • منح البث الفضائي العربي ما يكفي من التشريعات للنهوض به وانخراطه الإيجابي في المشهد الفضائي العالمي رفعا للقيود وإطلاقا لعنان المبادرات وتشجيعا على الإبداع والابتكار. وتمنح هذه التشريعات حريّات أكثر للعمل الإعلامي البنّاء والهادف. ويتم اعتماد التشريعات وتطويرها على مستوى قطري وعلى مستوى عربي بهدف ضمان تنظيم البث وإعادته واستقباله وضمان احترام الحق في التعبير عن الرأي وتفعيل الحوار الثقافي. ومن شأن هذه التشريعات أن تسمح بمواجهة أيّ إشكال قد يعترض البث الفضائي أو الانتاج العربي المشترك في المجال الإعلامي.

 

 

 

 

  • إن الاستثمارات الضخمة لا تكفي وحدها للنهوض بالقطاع التلفزيوني العربي. فالتفكير ضروري في توفر إستراتيجية وهوية محددة تستطيع القناة التلفزيونية أن تصل بها إلى مكانة متقدمة وسط الفضائيات وضمان مشاهدة كبيرة. وليس المقصود بوضع استراتيجيات، مجرد رسم هدف نسعى إلى الوصول إليه. بل إن العملية أكثر عمقا ورصانة وهي تشمل دراسة الجمهور وفئاته ومستوياته وتطلعاته.
  • ان الاستثمار في صناعة الإعلام مسألة إستراتيجية ذات أهداف واضحة ومحددة. والمطلوب على مستوى عربي صياغة استراتيجيا واضحة المعالم تنبع من الفهم الصحيح للموروث الثقافي والحضاري والشعور القوي بالانتماء والاعتزاز بهذا الانتماء. كما تطرح ضرورة تأهيل الكوادر لإنتاج مادة تلفزيونية تشد المحلي والأجنبي بعيدا عن التسطيح والتهميش من ناحية وبعيدا عن الغرور والنرجسية المفرطة من ناحية أخرى.